أرشيف بوعناني

حياة جديدة لـ “أحداث بلا دلالة”ـ

حياة جديدة لـ “أحداث بلا دلالة”ـ
Couverture 2023 Red
المخرج مصطفى 1 الدرقاوي والباحثة ليا موران والناقد أحمد بوغابة خلال اللقاء الذي تم بفضاء المقهى الثقافي في سينما النهضة

حياة جديدة لـ “أحداث بلا دلالة”

 

أحمد بوغابة

 

 

الفيلم المغربي “أحداث بلا دلالة” للمخرج مصطفى الدرقاوي، هو واحد من الأفلام التي عانت بدورها من قمع/ منع في سنوات الرصاص، إبان سنة إنتاجه 1974، والذي كاد يضيع في الطريق والمنفى لسنوات طويلة، فاقت 40 سنة، لولا يقظة المخرج وفريقه حينها بإنقاذه من الإتلاف والدمار بحثا له عن “ملجئ” حتى تمر زوبعة القمع الرهيبة. لكن للأسف طالت مدة بقائه في “السرية”، إلا أنه استعاد، في النهاية، مشروعيته السينمائية والفنية كاملة الحقوق، خاصة بعد ترميمه ورقمنته في الخزانة السينمائية ببرشلونة، كنسخة مرئية جميلة وواضحة، لتنفتح أمامه أبواب المهرجانات الدولية وداخل المغرب لما يتمتع به من بُعد النظر الفني كفيلم استثنائي في تاريخ السينما المغربية، خاصة في البداية الصعبة لهذه السينما التي كانت مازالت في مهدها. كان ومازال وسيبقى بكونه الفيلم الذي يُعتبر “ثوريا” و”جريئا”  و”مختلفا” و”متقدما” بمنطق التاريخ.

 

بعد سلسلة من العروض السينمائية الخاصة والجماهيرية، من خلال جولاته في مختلف بقاع العالم، حيث حظي باهتمام كبير من لدن السينمائيين والنقاد والصحفيين المتخصصين ومُدراء المهرجانات وموزعين احترافيين، وبقراءات جديدة تشهد له بريادته سواء كمنتوج سينمائي أو لتجربته الاستثنائية في الإنتاج.

وعليه، فيمكن القول إن فيلم “أحداث بلا دلالة” عرف حياة جديدة بعد 40 سنة من الغياب العلني. وأن الفن الملتزم قد انتصر في النهاية.

 

وتضاعف هذا الاهتمام مع صدور كتاب حول الفيلم الذي استمد عنوانه من الفيلم نفسه “أحداث بلا دلالة”، بالفرنسية، في أواخر سنة 2022 عن دار النشر الفرنسية “زمان بوكس”، ويقع في 220 صفحة من الحجم الكبير (22/28). وقد استغرق العمل عليه لمدة 5 سنوات (2014-2019)، وتجمد مؤقتا مع كارثة الكوفيد للاشتغال عليه من جديد خلال سنتي 2021/2022، فهو تاريخ وتأريخ لتفاصيل مسار فيلم “أحداث بلا دلالة” منذ تاريخ انتاجه سنة 1974 إلى حدود رقمنته. وبذلك أعاد طرح من جديد نقاش الإبداع والحرية والرقابة وأيضا السؤال الذي طرحه الفيلم نفسه “ما هي السينما التي نريد؟”

 

يرجع الفضل الكبير للوصول إلى النسخة الأصلية للفيلم وترميمه للباحثة الفرنسية ليا موران (Léa Morin) (1) وهي التي أشرفت وأعدت وأطرت الكتاب وساهمت فيه بفعالية كبيرة، فكريا وجسدا وروحا ووجدانيا، وباجتهاد منقطع النظير، طيلة سنوات العمل عليه، حتى يخرج للوجود بنفس القيمة الفنية للفيلم، باعتبار الكتاب صدى للفيلم في أبعاده المتعددة حيث تم تشكيله وبنائه – أي الكتاب – بنفس رؤية الفيلم (2)، كما سهرت أيضا على ترويجه في الخارج وفي كثير من المدن المغربية ضمن أنشطة خاصة أو ضمن فعاليات ثقافية وبمهرجانات مغربية كمهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط في دورته 28 (سنة 2023)، رفقة المخرج مصطفى الدرقاوي ومدير التصوير عبد الكريم الدرقاوي وكذا بعض المساهمين فيه من بينهم الكاتب والصحفي محمد جبريل وكذا الناقد والباحث والصحفي أحمد بوغابة الذي ساهم بالكتابة والبحث والأرشيف.

 

 

لقد اعتمد البحث على أربع مراحل:

1) البحث عن الفيلم المفقود،

2) العمل على ترميم الفيلم ورقمنته،

3) عرض الفيلم جماهيريا لاكتشافه من جديد،

4) توثيق مسار الفيلم في كتاب

 

فكان بمثابة تكريم واحتفاء معاَ بخروج الفيلم من “الاختفاء القسري”، بفضل المساهمين فيه من الباحثين والمؤرخين والكتاب والنقاد والسينمائيين، فضلا عن المشاركة العينة والغنية للمخرج ومدير التصوير عبد الكريم الدرقاوي من خلال أرشيفه الشخصي، مما جعل من الكتاب متحفا مرئيا ملموسا ومصدرا أساسيا (150 صورة بالألوان والأسود والأبيض) وبذلك سمح لتوازن فني مع ما هو فكري.

 

كان الفيلم المغربي “أحداث بلا دلالة” عبارة عن “بيان سينمائي” في المرحلة الأولية لتأسيس السينما المغربية، وإعلان رسمي لسينما جديدة/معاصرة، في بداية السبعينات من القرن الماضي، من خلال طرحه للسؤال المركزي والجوهري والاستراتيجي: “ما هي السينما التي نريد؟” في قالب وثائقي/روائي، يمتحن السؤال والجواب معا بالنقاش بين فريق الفيلم نفسه، من جهة، ومن جهة أخرى بإعطاء الميكروفون إلى فئات متنوعة من شرائح المجتمع، بينهم مثقفين وفنانين وجمهور سينمائي متعدد لاستهلاك الأفلام في القاعات التي كانت تحتكرها الأفلام التجارية الرومانسية والميلودرامية والموسيقية المصرية والهندية وأفلام الويستيرن والكاراطي والبوليسية….. في غياب أفلام مغربية بسبب سياسة الإنتاج الرسمية.

 

تم تصوير فيلم “أحداث بلا دلالة” في الوقت الذي كانت بلادنا تعيش حينها مخاضا جذريا في جميع المجالات: الثقافية والفنية والإبداعية وحتى الرياضية، وكذا طبعا في الحقل السياسي الذي تميز بعنف السلطة والقمع الشديد والاختراق أيضا.

فكان هذا الفيلم ضحية هذا القمع بمنعه تحت حجج واهية غير منطقية وغير مبررة بسلطة خارجة “القانون”!!! التي فرضت على الفيلم الابتعاد ثم الاختفاء ليضطر للدخول إلى السرية لزمن طويل حتى اعتقدت الأغلبية المهتمة بالفيلم المغربي أنه ضاع نهائيا، ولم يبق له أثرا كما حصل لأفلام أخرى (3)، إلى أن ظهر في مطلع التسعينات في عرضين بكل من الرباط والدار البيضاء ضمن نشاط سينمائي “أسبوع السينما المغربية” من تنظيم “الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام” سنة 1992 تحت شعار “السينما المغربية وجمهورها”. للأسف، كانت النسخة المتداولة للفيلم في حالة مُزرية نظرا لما عانته في “السرية”.

 

ستعثر الباحثة الفرنسية ليا موران (Léa Morin)، المتخصصة في السينما المغاربية، على فيلم “أحداث بلا دلالة”، في إسبانيا، فتكفلت بمجهوداتها الشخصية، في المرحلة الأولى، بالعمل على ترميمه ورقمنته، ثم ثانيا، بعرضه جماهيريا في بعض المهرجانات والتظاهرات السينمائية العالمية والمحلية (برلين، المهرجان الوطني بطنجة، فيسباكو، وغيرها كثير)، وثالثا، بإشرافها على إصدار كتاب عنه (بالفرنسية) الذي حظي بنجاح كبير ومُلفت للنظر في جولات تقديمه للقراء والمهتمين، سواء في أوروبا أو في المغرب، وما زال يسافر في أرض الله الواسعة، وهو ما أعطى حياة جديدة للفيلم، خاصة لدى الشباب الغربي الذي اكتشف هذه التحفة السينمائية وتعمق فيه بفضل الكتاب (يتضمن الكتاب النسخة المرممة من الفيلم (DVD) فسهل عملية التواصل والدراسة العميقة له بمساعدة الكتاب)

 

اعتمدت الباحثة ليا موران في إشرافها وإعدادها للكتاب على نمط الفيلم نفسه (2)، إذ دعت عدد من الباحثين والمؤرخين والنقاد والصحفيين والسينمائيين وأصدقاء المخرج مصطفى الدرقاوي للمشاركة وصياغة محتوياته حسب تخصص كل واحد منهم ورؤاهم المختلفة، ومن زوايا متعددة، وقد نجحت أيضا أن تجمع بين الأجيال، منهم من ينتمي إلى جيل المخرج وعاينوا عمله عن كثب حينها مثل الراحل نور الدين الصايل ومحمد جبريل ومصطفى النيسابوري، وعبد اللطيف اللعبي من خلال المائدة المستديرة التي نظمتها مجلة “أنفاس” سنة 1966 كوثيقة جد مهمة عن السينما التي كان يبحث عنها جيل من السينمائيين المغاربة، إلى جانب الشباب طبعا الذين تبنوا الفكر السينمائي للدرقاوي، نذكر على سبيل المثال المخرج الملتزم ندير بوحموش صاحب واحد من أفضل الأفلام الوثائقية المغربية “أموسو” (2019). كما يحتوي على عدد من الدراسات الأكاديمية الجيدة التي تناولت بالعمق سينما المخرج وأسلوبه وكذا تشريح نقديا لفيلم “أحداث بلا دلالة”، من المغرب وخارجه، منهم/منهن ماري بيير بوتيي، راشا سالطي، مونيكا طلارتيك، طوني ماريني. وأغنى هذا التعدد للكتاب احتوائه على أرشيف غني مكتوب، وخاصة أرشيف الصور لواحد من أهم مدراء التصوير في تاريخ السينما المغربية عبد الكريم الدرقاوي (أخ المخرج والذي درس معه في المدرسة البولونية الشهيرة “لودز”)

 

سفر تاريخي يمتد تقريبا نصف قرن، وتقييم لفيلم “غير عاد” برؤية سينمائية نقدية وتجربة ميدانية/اجتماعية/سياسية… فتعرض للمنع النهائي من لدن السلطة حينها، وليس للرقابة فقط بحذف بعض المشاهد أو اللقطات، في ذلك الزمن المغربي، كتب مصطفى الدرقاوي في هذا الصدد – عن المنع – في مقدمة الكتاب: (((تم استدعائي إلى المركز السينمائي المغربي من قبل لجنة الرقابة لإخباري بمنع الفيلم، باعتباره غير مناسب للوضع في البلاد. قال لي أحد أعضاء اللجنة الموقرة: “إنه يجب أن أكون سعيدا لأن فيلمي لم يتعرض للرقابة بل تم منعه”، مضيفًا بنبرة سرية: “نحن لا نمنعك من التعبير، نحن نمنعك من قول الفواحش. سيأتي اليوم الذي ستشكرنا على هذا القرار”. ومن المؤكد أن هذا الرجل كان له بُعد النظر أفضل مني وأن رؤيته كانت دقيقة. سعيد أن فيلمي لم يتعرض للتشويه والبتر من طرف لجنة الرقابة، بل دخل إلى الثلاجة ليعود بعد 48 عاما إلى الظهور مرة أخرى، أفضل مما كان عليه من قبل، وأكثر جمالًا بفضل الترميم الرائع، تقوى أيضا خلال 48 عاما، حيث تطور ذوق وذكاء المشاهدين وارتقى إلى درجة عالية من اللباقة))).

 

وحسب علمي الشخصي، أنا أحمد بوغابة، من خلال تحرياتي وبحثي في الأرشيف، لم أجد منشورا رسميا واحدا واضحا للمنع بل كان شفويا فقط مما يفسر الشطط في استعمال السلطة في زمن كان التنفس نفسه جريمة

 

والجميل في إخراج الكتاب، الذي يعطي رغبة فعلية للقراءة والغوص فيه، ابراز قيمة نصوصه ووثائقه وصوره، كونه خلق نوعا من التقاطع والتقاء والمزاوجة والتكامل بين كل ما ذَكرته ومن خلال ربط التجارب الفنية الرائدة حينها بين التشكيل والغناء والموسيقى والمسرح مع الفيلم الذي احتواها كلها مباشرة، وأخرى ضمنية بمساهمتها المحسوسة في انتاج الفيلم، وكأنه يرسم – أي الكتاب في إخراجه – المسار الذي عرفه الفيلم/المعجزة. لقد نجح مصطفى الدرقاوي بلَمِّ حوله مجموعة هائلة من أصدقائه الفنانين والكتاب، من مختلف المجالات، وإقناعهم بالعمل المشترك – إنتاجا وفنيا وتقنيا – ك”تعاونية” إلى حد ما – حيث تحمس الجميع له وتضامن الكل من أجل هذه التجربة الجماعية باقتناع وإرادة وحب. وهو النهج أيضا الذي سلكته الباحثة ليا موران في إنجاز الكتاب من خلال لَمِّ شمل كل من عايش الفيلم وكتب عنه وشارك فيه أيضا.

 

وتتميز تجربة هذا الفيلم – أيضا – كاستمرار لما سبق من “حياة” هذا الفيلم في أنه تم تصويره في البداية ب 16 ملم، التي تم جلبها من بعض أقطار أوروبا الشرقية، ثم تحويله إلى 35 ملم ببرشلونة بعد تصويره في الدار البيضاء وتحميضه في مدريد، ويحملونه – الأخوين الدرقاوي – معهما أينما حلوا في مدن وأقطار أخرى كثالث لهما للعمل على تركيبه (4)، لقد بدأ تركيبه في الدار البيضاء وسافر به إلى بغداد ثم روما، فيما تمت سطرجته بالفرنسية في باريس. وفي الأخير، عند العثور على النسخة السالبة في اسبانيا من طرف ليا موران، خضع للترميم وإعادة الحياة له بالخزانة السينمائية ببرشلونة.

 

هذه الجولة التاريخية في حياة الدرقاوي وفيلمه “أحداث بلا دلالة” نقرأ تفاصيلها في نصين للباحثة والمشرفة على الكتاب “ليا موران” (Léa Morin)، أولا في حوارها مع فريق الخزانة السينمائية ببرشلونة (صفحات من 33 إلى 39) زائد نص “موجز تاريخي لأثر سينمائي” (ابتداء من صفحة 107)

 

ولأن الفيلم هو أيضا تاريخ مواز للسينما المغربية التي كانت تعاني من الإقصاء الرسمي وبعدم توزيعها من طرف الموزعين في المغرب على قلتها (لم ينتج المغرب منذ استقلاله سنة 1956 إلى حدود سنة 1974 عند انتاج “أحداث بلا دلالة” سوى 9 أفلام وبس، وذلك طيلة 18 سنة من “الاستقلال”، بمعدل فيلم واحد كل سنتين. يساهم كتابنا في الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها ويعطي صورة بليغة عما كان عليه الوضع السينمائي.

 

ولفهم خصوصية سينما مصطفى الدرقاوي التي تشبث بها واستمر في انتجاها وإخراجها، رغم منع فيلمه الأول “أحداث بلا دلالة”، بنفس النفس في أفلامه المقبلة (أيام شهرزاد الجميلة، عنوان مؤقت، أنا “لعبة” في الماضي….) فينبغي إذن قراءة هذا الكتاب بتمعن والتعمق فيه لأنه يرجع بنا إلى بداياته الأولى من خلال العودة إلى تجربته الفرنسية، التي لم تطل كثيرا، لننتقل إلى تجربته البولونية الطويلة (صحبة أخيه عبد الكريم) التي تُعتبر المرجعية الأساسية في تكوينه وتشكيله فنيا خاصة إذا علمنا أن بولونيا كانت مختلفة “نسبيا” عن باقي أقطار المعسكر الاشتراكي. يتوقف الكتاب عند الجذور السينمائية للمخرج منذ البداية وكيف بنى رؤيته السينمائية/الثقافية/السياسية بفضل أفلامه القصيرة التي أنجزها في المعهد “لودز” أو حين عاد إلى المغرب للاشتغال مع المركز السينمائي المغربي والتلفزيون المغربي والمؤسسات الدولية كفنان مستقل وملتزم وليس مجرد “تقني” بدون هوية.

 

 

الهوامش:

 

1)    الباحثة ليا موران (Léa Morin) خريجة معهد السينما “Fémis” بباريس (IDHEC سابقا) حيث أنجزت بحث تخرجها حول المغرب بعنوان: “المعادلة المغربية: واقع وآفاق قطاعات التوزيع والاستغلال والمهرجانات بالمغرب”.

فهي باحثة فرنسية محترفة في تاريخ السينما المغاربية، وتعمل على ترميم الأفلام والحفاظ على هذه الذاكرة والتعريف بها أيضا

اشتغلت كثيرا في المغرب بدءا بعملها في سينما الريف بطنجة (الخزانة السينمائية) كمديرة للبرامج في البداية ثم مديرة لها عند انطلاق هذه المؤسسة من جديد، من سنة 2007 إلى غاية سنة 2013، لتذهب تستقر في الدار البيضاء التي أسست بها “مرصد البحث الفني” صحبة الفنان محمد فريجي. ورغم عودتها إلى فرنسا إلا أنها بقيت مخلصة للمغرب والمغاربة حيث مازالت تواصل بحثها في السينما المغاربية

 

2)    التجأ المخرج مصطفى الدرقاوي في فيلمه الروائي الأول “أحداث بلا دلالة” إلى الإنتاج التشاركي أو التضامني أو المساند، بمعنى المساهمة الجماعية لكل فرد حسب قدراته وإمكانياته وما استطاع إليه سبيلا.

وقد استجاب له عدد من التشكيليين ببيع لوحاتهم تذهب مداخلها إلى الفيلم، وأيضا بعض الأطر المغربية في مهن مختلفة، حرة أو عمومية، الذين كانوا في الموعد. كما ساهم بعض الفنانين مجانا في التمثيل أو ضمن الفريق التقني.

يفسر هذا التضامن الحالة الصحية النبيلة والديناميكية التي كان عليها “المجتمع الثقافي والفني” حينها من خلال التضامن والمؤازرة والذي كان يؤمن إيمانا راسخا لبناء مغرب جديد

فقد تحدث عن هذه التجربة إيجابيا الأستاذ الراحل نور الدين الصايل في الحوار الذي أجريته معه والمنشور في الكتاب في صفحات 73 – 80، وأثاره هو نفسه في الحوار الذي أجراه مع المخرج مصطفى الدرقاوي في صحيفة “مغرب – أنفورمسيون” في أبريل 1974 الذي تجدونه في الكتاب كوثيقة هامة (صفحة 82)

 

3)    أفلام أخرى كانت بدورها ضحية للمنع بشكل أو بآخر، منها فيلم “أبناء الشمس” من إخراج جاك سيفيراك، سنة 1962، وهو إنتاج مشترك بين المغرب وفرنسا حيث تم تصويره بالكامل في مدينة الدار البيضاء وبممثلين مغاربة (كلهم) منهم الطيب الصديقي، محمد عفيفي، حسن الصقلي، أحمد الجيلالي، وآخرين. كان من المقرر أن يعرض الفيلم تجاريا في القاعات السينمائية بعد حصوله على رخصة العرض (الفيزا) ليتم سحبها منه

وكذا فيلم “أطفال الحوز” للمخرج كريم ادريس وبالمساعدة العلمية للباحث المغربي الشهير بول باسكون حيث أوقفت السلطات تصويره في نواحي مراكش، بمنطقة الحوز، وحجزت أشرطته، وذلك سنة 1970، مازال مصير تلك الأشرطة مجهولا!!!

وأيضا فيلم “ذاكرة 14” لأحمد بوعناني الذي تعرض لمجزرة من طرف مدير المركز السينمائي المغربي حينها السيد عمر غنام باعتبار منتج الفيلم بصفته على رأس المؤسسة السينمائية الرسمية. لقد قام عمر غنام ببتر وحذف ليس فقط بعض اللقطات بل مشاهد طويلة بأكملها ليتحول الفيلم الذي كانت مدته ساعة ونصف إلى فيلم قصير مدته 24 دقيقة، وهو الفيلم الذي اعتمد فيه المخرج والمونتير على الأرشيف الفرنسي الذي تركه الفرنسيين في المركز السينمائي فقام أحمد بوعناني بإعادة كتابة تاريخ المغرب عبر الفيلم، ورغم المجزرة التي ذهب ضحيتها الفيلم إلا أن المخرج/المونتير نجح بذكائه وثقافته أن يترك لنا تحفة سينمائية تشجعنا وتدفعنا لإعادة التفكير في تاريخنا.

وفي نفس السنة التي مُنع فيها فيلم “أحداث بلا دلالة” (1974) تم أيضا منع فيلم “حرب البترول لن تقع” لسهيل بنبركة

 

4)     أشير بأن مصطفى الدرقاوي يعطي أهمية قصوى للمونطاج ككتابة إضافية وداعمة للسيناريو والإخراج، هذه الثلاثية هي الأعمدة التي تقف عليها الكاميرا والفيلم معا في نظره. لذلك كان ينجز أعمالا أخرى بالموازاة لكي يتمكن من تمويل فيلمه “أحداث بلا دلالة”، حيث كان يحمله معه أينما حل وارتحل والاستمرار في تركيبه، في بغداد وروما واسبانيا….

 

De Quelques Evenements Sans...

شارك هذه الصفحة

AUTRES ACTIONS